ملامح دولة الايمان
بين الوجود الاسلامي والدولة الدينية
نبيل الكرخي
المحتويات
المقدمة
المحور الاول: هل هناك تلازم بين وجود الاسلام ووجود الدولة الدينية؟
دولة الانبياء والاوصياء (عليهم السلام)
الدولة الدينية في عصر الغيبة الكبرى
المحور الثاني: هل الدولة الدينية جزء أصيل في العقيدة والفقه الشيعي الإمامي؟
تطور العلاقة مع السلطة في زمن الغيبة الكبرى
موقف منظمة الحجتية
بعضاً من روايات المنع من قيام دولة دينية
الفقه الشيعي والحاكم المستبدّ
اربعة انعطافات مهمة في الموروث الشيعي
دور فقهاء الشيعة في ظل غياب السلطة
صلاحيات الفقيه للنهوض بالحاكمية الدينية
الحسبة في الفقه الشيعي
ولاية الفقيه العامة وموقف فقهاء الشيعة منها
ولاية الفقيه المطلقة العقائدية
اطلاق تسميه (الامام) على الولي الفقيه
من شبهات "ولاية الفقيه العقائدية"
تسقيط المنتقدين لولاية الفقيه العقائدية
ضابطة ترسيخ الوجود الاسلامي في دستور دولة دينية
معالم ترسيخ وجود الاسلام في تحرك السيد الصدر
الفصل بين الدولة وسيادة الاسلام
بين النظرية والتطبيق
الامـة مصــدر القـــوة
مشكلة الخلافة من السقيفة حتى اتاتورك
حريق الاقصى والنهضة الاسلامية العالمية
المحور الثالث: هل الدولة الشيعية نافعة؟!
التقية والدولة الشيعية
الانتشار الطوعي للتشيّع وعقبة الدولة الشيعية
المصادر
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمـة:
انزل الله سبحانه وتعالى الاسلام ليقوده إمام معصوم.
هذه الحقيقة حاولت العديد من الآيديولوجيات المنحرفة عن الاسلام او سيئة الفهم للاسلام طمسها، فظهرت خلافة السقيفة ومن ثم الخلافة الوراثية متمثلة بدول بني امية وبني العباس وآل عثمان، ودولة الوراثة الممتنعة عن الخلافة لأسباب فقهية، كدولة آل سعود الذين لن يتمكنوا ان يعلنوا انفسهم خلفاء لكونهم غير قرشيين بحسب الفقه الحنبلي وفرعه الفقه السلفي الوهابي! كما ظهرت سلطات تحكم الدول الاسلامية كسلطة البويهيين وسلطة السلاجقة وسلطة الايوبيين.
وظهرت في عصرنا الحاضر سلطة ولاية الفقيه العقائدية التي اعطت للفقيه نفس وظيفة الامام المعصوم (صلوات الله عليه) بعدما كانت ولاية الفقيه في العقود التي سبقتها تختص بسلطة روحية أو معنوية يمدها الفقيه لتظلل على جميع المؤمنين بولايته الروحية المعنوية والتي تستثمرها الامة في واقعها لترسيخ الوجود الاسلامي في المجتمع والدولة والحياة!
فأما حتمية قيادة الإمام المعصوم (عليه السلام) للاسلام فظاهرة من خلال تنصيب الله تبارك وتعالى وصياً للنبي، بلسان النبي (صلى الله عليه وآله) يوم الغدير ،،، وقوله مخاطباً نبيه الكريم (صلى الله عليه وآله): ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِين))، فحصر سبحانه تبليغ الاسلام ، كل الاسلام، بتنصيب الوصي المعصوم الذي يقود الاسلام بعد نبيه العظيم (صلى الله عليه وآله). وبهذا الاعلان اكتمل الدين واتم سبحانه النعمة ورضي الاسلام ديناً للعالمين. وبذلك تشكّل الاسلام بصيغته النهائية: دولة يقودها معصوم تسود فيها شريعة رب العباد ،،، دولة شرعية إلهية ومجتمع إيماني قائم على اسس اخلاقية فاضلة حيث يسود الاسلام: ((إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)).
وقيادة المعصوم (عليه السلام) للاسلام أبدية لا تنفك عنه، ولا تتعارض مع حدوث الغيبة الكبرى، فقد وضع المعصوم (عليه السلام) الاسس التي تسير عليها الامة في ظل الغيبة الكبرى. فتعاضدت الامة مع فقهائها، للسير في طريق الحق ونشره بين الامم. وتولى الفقهاء مهمتين الاولى هي قيادة المذهب والحفاظ عليه، والثانية هي قيادة الامة والحفاظ عليها. مهمتان نظرية وعملية، ما اصعبهما لولا توفيق الله سبحانه وتعالى، فانتشر التشيّع في اقاصي الارض، وفي مختلف البلدان.
لقد اختلفت التحديات التي واجهها الشيعة الامامية عبر العصور، فبعدما كانت التحديات في القرون الاولى مقتصرة على اثبات حقانية مذهب ائمة آل البيت الهداة الاثني عشر (عليهم السلام) وإستحقاقهم الإلهي، والدفاع عن المذهب وجوداً وعقيدة، ورعاية الشيعة والحفاظ على اعراضهم وارواحهم واموالهم التي كانت تتعرض للانتهاك بين الحين والآخر من قبل طواغيت عصرهم المتسلطين على مختلف البلدان الاسلامية. ظهرت تحديات أخرى بعد غزو القوى الاستعمارية الكافرة لبلاد المسلمين وفرضهم انظمة علمانية عليها تسعى لطمس معالم معالم الدين في الحياة اليومية للفرد والمجتمع والدولة، فكان التحدي الجديد الذي واجهه علماء الشيعة الامامية هو مجابهة السلطات الجائرة العلمانية واجبارها على احترام الوجود الاسلامي وسيادته للحياة. ولم يكن الواقع الشيعي بعيد عن التأثر بالحركات الاسلامية السنية التي كانت تعيش مأساة يتم الخلافة، وكان ابرز ايتام الخلافة هم جماعة الاخوان المسلمين الذين اسسهم حسن البنا سنة 1928م كرد فعل على الغاء مصطفى كمال اتاتورك الخلافة الاسلامية العثمانية سنة 1924م. فظهرت بين الشيعة حركات تأثرت بجماعة حسن البنا وابتدأت هي الاخرى تفكر بتأسيس دولة اسلامية شيعية في البلدان ذات الغالبية الشيعية ابتداءاً من سنة 1940 على يد منظمة الشباب المسلم ومؤسسها الشيخ عز الدين الجزائري ! رغم ان تلك الحركات الشيعية لم تكن مدعومة ولا مرغوبة من قبل المرجعيات الدينية الشيعية، حيث إنَّ هناك إجماعاً عند الشيعة الامامية في مختلف العصور على عدم جواز إقامة دولة دينية شيعية، وأن كل راية ترفع قبل قيام القائم (عجّل الله فرجه الشريف) هي راية ضلال. ألا ان بعض الفقهاء المتأخرين قدموا فهماً جديداً لتلك الروايات، واجازوا من خلال فهمهم الجديد إقامة دولة دينية مستندة لولاية الفقيه المطلقة التي تشكل عندهم جزءاً من العقيدة الدينية. وفي خضم الاختلافات بين الفقهاء حول صلاحياتهم هل تقتصر على الحسبة ام تتجاوزها لولاية للفقيه بسعة اختلفوا حولها ايضاً، كما اختلفوا في حدود الحسبة أيضاً، واعتبروا كل ذلك خلافات فقهية طبيعية، كما هي فعلاً. غير انهم في خضم اختلافاتهم المذكورة اتفقوا على امر مهم وهو ضرورة إدامة الوجود الاسلامي وسيادته في الدولة والمجتمع أي إدامة قيادة الاسلام للحياة. ولم يتبلور الصراع الحقيقي بين الفقهاء والسلطات الحاكمة حول وجود الاسلام وسيادته الا في العصور المتأخرة حينما تأسست دول في بلاد المسلمين ذات صبغة علمانية تسعى لطمس معالم الاسلام في الدولة والمجتمع. وقبل ذلك كانت الدول التي تحكم بلاد المسلمين تصطبغ بصبغة دينية اسلامية، وتستند للدين في محاولة لإضفاء الشرعية الدينية على سلطانها. فبعضها كانت تدعي الخلافة كالأمويين والعباسيين والعثمانيين، وبعضها كانت إذا لم تستطع ادعاء الخلافة لكون السلطان غير قرشي والمذهب السائد غير حنفي، كسلطان المماليك في مصر وآل سعود في شبه الجزيرة العربية على سبيل المثال مثلاً، فإنهم يتصدون لإقرار وترسيخ السيادة الاسلامية والحفاظ عليها لكي يضفوا نوعاً من الشرعية على سلطانهم بإعتبارهم حماة الدين والذائدين عنه. كما حدث في عصر المملوك قطز والظاهر بيبرس الذي لم يكتفِ بذلك بل سعى لتنصيب خليفة عباسي جديد في القاهرة بعد سقوط آخر خليفة عباسي في بغداد صريعا بسوء أفعاله على يد هولاكو !
إنَّ مصطلح (الدولة الدينية) يختلف بحسب الآيديولوجية التي تتناوله. فالدولة الدينية تكون إلهية إذا كان يقودها المعصوم (عليه السلام). والدولة الدينية عند البعض هي تلك التي يقودها الخليفة الغاصب للسلطة او الوارث لمن غصبها إلخ كما هو حال دولة الخلافة الاموية والعباسية والعثمانية. والدولة الدينية قد تكون قائمة بأمر الفقيه أو بقيادة الفقيه. وهناك من العلمانيين من يطلقون تسمية الدولة الدينية على كل دولة تتبنى ان يكون الاسلام دين الدولة وتطبق هذا الامر بصورة فعلية، أي يطلقونها على كل دولة تتبنى وجوداً للاسلام بنسبةٍ ما! فالعلمانيون لا يرضون بأي دولة تحمل طابعاً اسلامياً وانما ينادون بالدولة المدنية التي تكون ممسوخة ومسلوخة عن الاسلام ! إنَّهم يسعون لإيجاد مجتمع خالي من الدين او بعيد عن الدين او دولة مسلوخة الدين كما هو حال دولة اتاتورك التركية، وهذا يعني انهم يريدون بالمجتمع ان يسير بخلاف طبيعته وبخلاف فطرته التي فطره الله عليها. وكلنا نشهد اليوم كيف دق اردوغان المسمار الاخير في نعش دولة اتاتورك بتغييره النظام السياسي في تركيا الى النظام الرئاسي، ولم يكن اردوغان يتمكن من ذلك لولا الثقافة الدينية التي يمتلكها غالبية ابناء الشعب التركي المسلم رغم العقود الطويلة التي تعرض لها بفعل السياسة الاتاتوركية التي سعت لمسخ شخصيته الدينية ! فلولا رغبة غالبية الشعب التركي المسلم بترسيخ السيادة الاسلامية في الدولة والمجتمع لما تمكّن اردوغان من عمل شيء. وهذا نموذج لأهمية دور الامة في ترسيخ الوجود الاسلامي في المجتمع والدولة.
وينبغي ان ننبّه إننا في مقالنا هذا لا نريد ان نبين حكماً شرعياً فيما يخص إقامة الدولة الدينية فهذا من شؤون الفقيه، إنما نتناول الموضوع تناولاً ثقافياً وتأريخياً وإجتماعياً محاولين الاجابة عن بعض الاسئلة الفكرية التي تراود أذهان بعض المؤمنين من هذه النواحي.
إنَّ حديثنا عن الوجود الاسلامي وسيادته للتعبير عن سعي الامة لتطبيق احكام الاسلام في حياتها بإعتباره الدين الذي تؤمن به، معناه أو مؤداه هو نفس معنى أو مؤدّى (الحاكمية) التي تحدث عنها ابو الاعلى المودودي وسيد قطب عند أهل السنة، ولكن يضاف له معنى يتضمن دور الامة أو جمهور المسلمين والمؤمنين في تطبيق شريعتهم في مجتمعهم وتجارتهم ومحاكمهم ومعاملاتهم الماليّة واقتصادهم ودولتهم نتيجة تلاحم الاسلام مع شخصيتهم المعنوية، حيث لا يرون فصلاً بين الشريعة الاسلامية واعرافهم وقيمهم الاجتماعية. فمعنى سيادة الاسلام لا يتضمن فقط الحاكمية التي تطالبها الحركات الاسلامية من خلال تأسيس دولة دينية، بل يتضمن عفوية وتلقائية مطالب الناس والفقهاء والمرجعيات الدينية بتطبيق الاسلام في كل نواحي الحياة بعد ان يندمج الاسلام في شخصيتهم وفكرهم وطموحهم. وبإختصار فإنَّ معنى سيادة الاسلام هو ما يحدث عندما يقود الاسلام الحياة، ولكننا في خضم التحديات والفتن العظيمة التي يواجهها المسلمون في عصرنا الحاضر لا نريد ان تكون قيادة الاسلام للحياة وكأنها قيادة فرض أو إجبار، بل نريد من الاسلام ان يسود الحياة وان ينقاد ابناءه طواعية له. فالاسلام يقود الحياة حينما يسود فيها.
فالاسئلة المهمة التي نحاول الاجابة عنها في بحثنا هذا نذكرها عبر ثلاثة محاور:
المحور الاول: هل هناك تلازم بين وجود الاسلام ووجود الدولة الدينية؟
المحور الثاني: هل الدولة الدينية جزء أصيل في العقيدة والفقه الشيعي الإمامي؟
المحور الثالث: هل الدولة الشيعية نافعة؟!
المحور الاول
هل هناك تلازم بين وجود الاسلام ووجود الدولة الدينية؟
الظاهر ان هناك تلازماً بين وجود الاسلام وسيادته وبين وجود دولة دينية شرط أن يقودها المعصوم (صلوات الله عليه). اما في عصر الغيبة الكبرى، فلا يمكن توفير الشرط الاساسي لقيام دولة دينية وهو غياب المعصوم ( عليه السلام). وهنا نعني بالدولة الدينية الدولة الشرعية الإلهية. نعم قد تقوم في عصر الغيبة الكبرى دولة دينية بمعنى ان تطبق الدولة الشريعة الاسلامية ويكون الاسلام مصدر التشريع الوحيد فيها بحسب دستورها. وهذه الدولة قد تقوم على واجب وتكليف الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو على أساس ولاية الفقيه العامة او المطلقة، أو الحسبة، وكذلك يمكن ان تقوم على أساس ديمقراطي من خلال قناعة غالبية أبناء الامة بضرورة أن يكون الاسلام مصدر التشريع الوحيد في دستور دولتهم وللقوانين التي تشرّعها.
دولة الانبياء والاوصياء (عليهم السلام):
إنَّ سعي المؤمن لتحكيم شرع الله سبحانه وتعالى في زوايا الحياة جميعها، هو امر أصيل في الشخصية المؤمنة ومبانيها الفكرية، تنطق بذلك آيات القرآن الكريم والروايات الشريفة.
أما بخصوص وجود الاسلام وسيادته والدولة الدينية، فهناك تلازمٌ أكيد بينهما في عصر حضور المعصوم (عليه السلام)، وهذا التلازم مرتبط بالجانب العقائدي الديني، حيث ان الانبياء (عليهم السلام) هم اول من اسسوا الدول كما يذهب الى ذلك السيد محمد باقر الصدر في كتيبه (لمحة فقهية تمهيدية عن مشروع دستور الجمهورية الإسلامية في إيران)، حيث يقول:
(إن الدولة ظاهرة اجتماعية أصيلة في حياة الإنسان. وقد نشأت هذه الظاهرة على يد الأنبياء ورسالات السماء، واتخذت صيغتها السوية، ومارست دورها السليم في قيادة المجتمع الإنساني وتوجيهه من خلال ما حققه الأنبياء في هذا المجال من تنظيم اجتماعي قائم على أساس الحق والعدل يستهدف الحفاظ على وحدة البشرية وتطوير نموها في مسارها الصحيح. قال الله تعالى: {كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغياً بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} [البقرة: 213])...
... الى ان يقول:
(وفي المرحلة ظهرت فكرة الدولة على يد الأنبياء وقام الأنبياء بدورهم في بناء الدولة السليمة، ووضع الله تعالى للدولة أسسها وقواعدها كما لاحظنا في الآية الكريمة المتقدمة الذكر. وظل الأنبياء يواصلون بشكل وآخر دورهم العظيم في بناء الدولة الصالحة، وقد تولى عدد كبير منهم الاشراف المباشر على الدولة كداوود وسليمان وغيرهما، وقضى بعض الأنبياء كل حياته وهو يسعى في هذا السبيل كما في حالة موسى (ع)، واستطاع خاتم الأنبياء (ص) أن يتوّج جهود سلفه الطاهر بإقامة أنظف وأطهر دولة في التاريخ شكلت بحق منعطفاً عظيماً في تاريخ الإنسان وجسدت مبادئ الدولة الصالحة تجسيداً كاملاً ورائعاً).
ان الدولة التي اسسها النبي (صلى الله عليه وآله) امتزج وجودها بالاسلام، فالدولة الاسلامية الإلهية هي جزء من الاسلام المحمدي الذي اعلن الله تبارك وتعالى اكتماله وارتضاءه للناس دينا وبه اتم النعمة على الناس، فقال تعالى: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)). ليس هذا فحسب بل ان تلك الدولة حازت على رضا الله سبحانه وتعالى وإكماله لدينه وارتضاءه للناس حين تم إقرار طريقة انتقال السلطة في الدولة الاسلامية، فمن المعروف تأريخياً ان هذه الآية الكريمة إنما نزلت بعد بيعة يوم الغدير، حينما اعلن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) وأنه وصيّه وخليفته في امته، بالقول المروي عنه بالتواتر: ((من كنت مولاه فهذا علي مولاه)). وبذلك يكون الاسلام مكتمل ومرضي من قبل الله عز وجلَّ حينما يكون قائماً بدولة كريمة تعز الاسلام واهله، يقودها المعصوم (صلوات الله عليه).
إذن هناك تلازم بين وجود الدولة الاسلامية ووجود المعصوم (عليه السلام)، وحتمية عدم رضا الله تبارك وتعالى عن الاسلام الا بقيادة المعصوم (عليه السلام) له ووجود الدولة الاسلامية. حيث ان المعصوم (عليه السلام) هو وصي النبي (صلى الله عليه وآله) والامتداد او الاستمرار لمهامه المرجعية للامة، فمن الطبيعي ان يكون حكم الدولة التي تركها النبي (صلى الله عليه وآله) هي للمعصوم (عليه السلام) لكونه الوصي والولي والخليفة الشرعي.
ومن الطبيعي ان لا يرضى الله سبحانه وتعالى عن الاسلام الاموي او العباسي او العثماني او الاسلام الصوفي او الوهابي او اي نسخة اخرى من الاسلام سوى التي انزلها تبارك وتعالى وهي نسخة الاسلام المحمدي الذي مرجعيته آل البيت الاطهار (عليهم السلام).
وفي الدولة الاسلامية التي يقودها المعصوم (عليه السلام) تندمج السلطة مع السيادة الاسلامية. فكل مفاصل الدولة وقوانينها واقتصادها وتجارتها وزراعتها وحركة المجتمع، تبنى على اساس سيادة الاسلام، أي حكم الاسلام وشرعيته المقدسة في كل شؤون الدولة والمجتمع. فالمعصوم (عليه السلام) هو الراعي والضامن لتحقيق سيادة الاسلام، ولا تقام الدولة الاسلامية الإلهية بدونه.
الدولة الدينية في عصر الغيبة الكبرى:
يلاحظ عبر مراحل التاريخ وجود إجماع عند علماء الشيعة الامامية على عدم جواز إقامة دولة دينية، وربما يكون المقصود بالتحريم هو الدولة الدينية التي يقودها إنسان غير معصوم. أو تلك الدولة التي تروّج لزعامة وتقديس شخصيات غير معصومة على نمط خلفاء بني امية وبني العباس وآل عثمان، بل وحتى المملكة الصفوية والمملكة القاجارية والمملكة البهلوية.
وهناك رأي يقول انه ربما يكون المقصود بإجماع علماء الشيعة على عدم جواز إقامة دولة دينية هو عدم جواز السعي لجمع الشيعة في كيان منغلق ومستقل بعيداً عن المكونات الاسلامية والانسانية الاخرى فدولة الكيانية الشيعية التي تنفر عن مباديء الوحدة الاسلامية والشراكة الاجتماعية مع بقية المسلمين المنتمين لمذاهب أخرى ربما تكون مشمولة بالمنع المشار اليه في الروايات الشريفة وفي إجماع الشيعة. وهذا لا يتعارض مع السعي لإقامة دولة تحترم الاسلام وسيادته وتنص على ذلك الاحترام في دستورها عبر التأكيد على كون الاسلام هو دين الدولة وانه المصدر الوحيد للتشريع، ويكون جميع المسلمين فيها بإختلاف مذاهبهم في تعايش وسلم اهلي وبدون أي تمييز بينهم من قبل السلطة.
إذن يمكن أن نقول انه ربما يكون الاصل هو ترسيخ وجود الاسلام وسيادته في الحياة، وان اية دولة تحقق هذا المطلب يجب إقامتها على ان لا تخالف شروط الروايات الشريفة، أي ان لا تكون منغلقة مذهبياً ولا دولة كيانية، ولا دولة ترفع اشخاصاً غير معصومين الى مرتبة اعلى من مرتبتهم المعتادة.
تعليق