إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

الحكومة الدِّينيَّة

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الحكومة الدِّينيَّة

    الحكومة الدِّينيَّة

    شهد التَّاريخ المديد لحياة البشريَّة الاجتماعيَّة ظهور أنواع كثيرة من الحكومات والدُّول. ويمكن تمييز هذا النَّوع من ذاك في ضوء خصائص الحكومة وأُسسها. كما يمكن تقسيم أنواع هذه الحكومات داخلياً إلى أقسام مختلفة. على سبيل المثال: يمكن تصنيفها إلى حكومات "مستبدَّة وغير مستبدَّة"، "ديمقراطيَّة وغير ديمقراطيَّة"، "مستعمِرة ومستعمَرة"، "متقدِّمة ومتخلِّفة"، "اشتراكيَّة وغير اشتراكيَّة"، وأمثال ذلك. ويتم كلُّ تصنيفٍ من هذه التَّصنيفات على أساس معايير معيّنة.

    ولعلّ أحد التَّصنيفات، الواردة في شأن الحكومات، تقسيمها إلى "حكومة دينيَّة" و"حكومة علمانيَّة". والحكومة الدِّينيَّة، أو "الدَّولة الدِّينيَّة" مصطلح مركّب من مفردة الحكومة، أو الدَّولة المدمجة بالدِّين. والسؤال الّذي يطرح نفسه هنا هو: ما هو المضمون الّذي تفيده، على وجه الدِّقة مفردة "الدِّينيّ" في هذا التركيب؟ وما المعنى المطلوب من تركيب الدِّين والدَّولة؟ ما معيار دينيَّة حكومة وعدم دينيَّتها (علمانيَّتها)؟
    قبل الإجابة، من المناسب أن نعرّف الحكومة والدَّولة.

    معنى الحكومة والدَّولة
    استعملت الحكومة (Government) والدَّولة (State)، في الماضي والحاضر، بمعان

    35

    كثيرة، فوردت، في بعض الأحيان، إحداهما مرادفة للأخرى ووردتا، في أحيانٍ أُخرى، بمعان مختلفة. على سبيل المثال: للدَّولة، بمعناها الحديث، مفهوم مختلف وأشمل من مفهوم الحكومة. الدَّولة، في الاصطلاح الحديث، عبارة عن مجتمع بشريّ يعيش في بقعة معيّنة، وله حكومة تمارس عليه مهمَّات الحكم. وتتكوَّن الدَّولة، وفاقاً لهذا التعريف، من أربعة عناصر هي:

    السكَّان، الأرض، الحكومة، الحاكميَّة. وبناءً عليه، فمصطلح الحكومة ليس مرادفاً لمصطلح الدَّولة، وإنما هو جزء منه. والحكومة، بوصفها أحد العناصر الأربعة المكوِّنة للدَّولة، هي عبارة عن مجموعة من الدَّوائر المرتبطة، بعضها مع بعض، برباط معيّن في بقعة معلومة، وتمارس حكومتها على المجتمع البشريّ هناك.

    وبناءً على ما تقدَّم، فالمراد من الدَّولة الإيرانيَّة والدَّولة الفرنسيّة ـ مثلاً ـ ما يفوق حكومة هاتين الدَّولتين.

    أمّا إذا عرّفنا الدَّولة بالسُّلطة السِّياسيَّة المنظِّمة الّتي تأمر وتنهى، فستكون، في هذه الحالة، مرادفة للحكومة وبمعناها. وفي ضوء دلالة هذا التعريف، سوف لن تقتصر الدَّولة على السُّلطة التنفيذيَّة للبلاد، ولا على هيئة مجلس الوزراء الّتي تنهض بمسؤوليَّة تنفيذ القوانين، بل ستشمل سائر السُّلطات في النِّظام السِّياسيّ، مثل السُّلطة التَّشريعيَّة، والسُّلطة القضائيَّة، والقوَّات العسكريَّة وقوى الأمن الدَّاخلي. والواقع أنّ الدَّولة، أو الحكومة، في هذا التعريف، تعني الجهاز الحاكم الّذي يضمّ مجموعة الأجهزة ومؤسَّسات السُّلطة السِّياسيَّة الحاكمة للبلاد. ومرادنا من الحكومة والدَّولة، في هذا البحث، المعنى الأخير، وهدفنا دراسة المعنى الموجّه والمقبول من تركيب هذا المعنى للحكومة والدَّولة ودمجه بالدِّين.

    تعريفات الحكومة الدِّينيَّة
    يمكن ذكر عدَّة تعريفات لمصطلح "الحكومة الدِّينيَّة" في مقام التَّنظير والتَّعريف. بعبارة أُخرى: يمكن ذكر عدَّة تفاسير وأنواع مختلفة من تراكيب وصيغ الدِّين والدَّولة.

    36

    ومن الواضح، أنّ بعض هذه التَّعريفات والتصوّرات للحكومة الدِّينيَّة عارية عن الصحّة، ولا تصمد في الدِّفاع أمام النقد. ونورد هنا بعضاً منها بشكل موجز:

    أوَّلاًـ حكومة المتدينين: هي الحكومة الّتي يكون فيها المؤمنون والمعتقدون بدين معيّن أصحاب النُّفوذ السِّياسيّ، وتسند فيها السلطة السِّياسيَّة للشعب في إدارة شؤونه، وتناط إدارة المنظّمات والهيئات والأجهزة الإداريَّة بالمتديّنين بدين معيّن كالإسلام أو المسيحيَّة. والحكومة الدِّينيَّة، في ضوء هذا التعريف، ترادف تحديداً "حكومة المتديِّنين".

    ثانياًـ حكومة رجال الدين: الّتي تتصدّى فيها للحاكميَّة السِّياسيَّة طبقة خاصَّة تسمَّى "رجال الدِّين". وعلى أساس هذا التعريف، فإنّ ذات السُّلطة السِّياسيَّة السابقة تُسند إلى الشخصيَّات المتديِّنة ورجال الدِّين، ما يجعل الحكومة تتصف بالدِّينيَّة. ولعلّه يمكن لمس هذه الصُّورة القائمة لهذا التصوّر عن الحكومة الدِّينيَّة في أُوربا القرون الوسطى. فرجال الدِّين، في بعض الأديان، كالمسيحيَّة الكاثوليكيَّة، يتمتعون بقدسيَّة وحرمة خاصّة، ويعدُّون الوساطة المعنويَّة بين عالمي اللاهوت والناسوت.

    وقد تبلورت تجربة الحكومة الدِّينيَّة، المنسجمة مع هذا التعريف، في حكومات أُوربا إبّان القرون الوسطى. حيث كان رجال الدَّين المسيحيُّون والقائمون على شؤون الكنيسة يتمتَّعون بامتياز خاصّ يدعى حقّ الحاكميَّة، بوصفهم يؤدُّون دور الوساطة1 بين الله والخلق. ولهذا الحقّ والامتياز الخاصَّين جذور في ربوبيَّة الله وحكومته. حيث كانت الذهنيَّة السائدة هي أنّ لرجال الدِّين قدسيَّة، بفعل ارتباطهم بعالم الملكوت. من هنا كانت قراراتهم وكلماتهم كأنّها إيحاءات إلهيَّة مقدّسة ومعصومة تأبى الطَّعن فيها.

    ثالثاًـ الحكومة الدِّينيَّة: هي دولة تنهض بمهمة الدِّفاع والتبليغ ونشر تعاليم دينٍ

    37

    معيَّنٍ ومفاهيمه. واستناداً إلى هذا التعريف، فجوهر دينيَّة حكومة ما وقوامها يتَّضحان من خلال المنهج الدِّفاعي عن هذا الدِّين المعيّن.

    وبناءً عليه، فإنّ حكومة الصَّفويين والقاجاريِّين، في إيران، وحكومة الوهَّابيين في المملكة العربيَّة السعوديَّة، وحكومة طالبان في أفغانستان، جميعها، من مصاديق الحكومة الدِّينيَّة بمعناها الأخير, ذلك لأنّ دول هذه الحكومات تستخدم قواها وسلطتها السِّياسيَّة وسيلةً قويَّة لترويج مذهب ومنهج معيَّنين على مستوى المجتمع والدِّفاع عنه.

    رابعاً ـ حكومة الدِّين: هي الحكومة الّتي أسندت لدين معيّن المرجعيَّة الشَّاملة في مجال السِّياسة وإدارة شؤون المجتمع, أي أنّ الدَّولة ومختلف مؤسَّساتها ترى نفسها ملتزمة بجميع المفاهيم والتعاليم الدِّينيَّة الخاصّة، وتسعى إلى تفعيل الحسّ الدينيّ في التدابير والقرارات وسنّ القوانين، وأُسلوب التعامل مع الشعب، ونوع المعيشة وتنظيم الرَّوابط الاجتماعيَّة، وتستلهم التعاليم الدِّينيَّة في جميع القضايا الحكوميَّة لتقيمها على أساس الدِّين وتكيّفها معه. وقد استتبع هذا التفسير للحكومة الدِّينيَّة تأسيس "المجتمع الدِّيني"، ما يعني أنّ هذه الحكومة تريد بلورة جميع العلاقات الاجتماعيَّة (الثَّقافيَّة والاقتصاديَّة والسياسيَّة والعسكريَّة) في ضوء التعاليم الدِّينيَّة. ويعيش المجتمع الدِّيني هاجس الدِّين، هذا الهاجس شامل ولا يقتصر على جوانب معيّنة، وتالياً يروم المجتمع الدِّينيّ تكييف جميع شؤونه مع الدِّين.

    ووفاقاً لهذا التفسير، فإنّ الحكومة الدِّينيَّة ترى للدِّين شأناً خاصّاً، وتضع التعاليم الدِّينيَّة نصب عينيها، وتقبل بمرجعيَّة الدِّين والتركيز عليه على مختلف الأصعدة السِّياسيَّة وإدارة شؤون المجتمع.

    أمّا مدى تدخّل التعاليم الدِّينيَّة في إدارة شؤون المجتمع، فإنَّه يأتي بمقدار تدخُل الدِّين في هذه المجالات. بعبارة أُخرى: فإنّ دائرة تدخّل الدِّين في ميدان السِّياسة والمجتمع تتوقَّف على محتوى التعاليم الدِّينيَّة، وبمقدار ما يحمله الدِّين من رسالة في كلّ

    38

    مجال، وما لديه من تعاليم، وما يقدِّمه من تعليمات تحظى بقبول مثل هذه الحكومات.

    تقييم للتَّعريفات الأربعة
    التَّعريف الرَّابع من بين التَّعريفات الأربعة المذكورة أكمل تناسباً مع ماهيَّة الحكومة الدِّينيَّة, فبعض التَّعريفات،آنفة الذِّكر، لم تشر إلاَّ إلى جانب من جوانب الدَّولة الدِّينيَّة. فمجرّد تديّن الحكَّام وزعماء السُّلطة السِّياسيَّة للمجتمع بدين معيّن، لا يمكنه أن يكون معرّفاً لدينيَّة الحكومة، فأغلب أصحاب المناصب الحكوميَّة، في أغلب بلدان العالم الّتي تسودها حكومات غير دينيَّة، متديِّنون من الناحية الفرديَّة، وتديّن أُولئك بدين خاص، لا يعني أنّ حكومتهم تتَّصف بالدِّينيَّة.

    أما ما ورد، في التعريف الأوّل، بوصفه معياراً لدينيَّة الحكومة، فيندرج ضمن التَّعريف الرابع, لأنّ لازمه مرجعيَّة الدِّين، وتطبيق قطاعات الحكومة المختلفة وميادينها في ضوء التعاليم الدِّينيَّة، وذلك بالتزام زعماء الجهاز الحاكم ورؤسائه بذلك الدِّين نظريّاً وعملياً.

    وهكذا، يندرج المعيار المذكور في التَّعريف الثَّالث، ضمن التَّعريف الرَّابع أيضاً, وذلك لأنّ الحكومة الّتي تنشد تأسيس المجتمع الدِّينيّ، وتبذل الجهود لتكييف جميع أنواع العلاقات الاجتماعيَّة مع التعاليم الدِّينيَّة، وتريد انسجام قوانين الحكومة وتشريعاتها مع الدِّين، ستسعى تلقائياً إلى الدِّفاع عن ذلك الدِّين، وستعمل بجدٍّ واجتهاد على تبليغه ونشره. أمّا التعريف الثاني للحكومة الدِّينيَّة، فقد بُني على أساس التفسير الخاصّ لرجال الدِّين، والّذي يسود أغلب الأديان في شأن الشخصيات الدِّينيَّة وعلماء الدِّين.

    على سبيل المثال، فإنّ الإسلام لا يرى لعلماء الدِّين موقعاً طبقياً خاصّاً، بأيِّ شكل من الأشكال، كما لا يراهم متحلّين بمقام العصمة. وعلى هذا الأساس، تنتفي أصول مثل هذا التفسير للحكومة الدِّينيَّة، إضافة إلى أنّ مجرّد تصدّي العلماء ورجال الدِّين للمناصب الحكوميَّة ليس بضامن لدينيَّة تلك الحكومة، بل وكما ورد في التعريف الرابع، فإنّ تنفيذ التَّعاليم الدِّينيَّة وتكييف مختلف الشؤون الاجتماعيَّة والحكوميَّة مع المضامين

    39

    الدِّينيَّة لا يمنح الحكومة والسِّياسة صبغة دينيَّة2.

    والجدير ذكره أنَّ تعريفنا للحكومة الدِّينيَّة لا ينطلق من دين معيّن، بل إنّ إقرار أيّة دولة، في أيّة بقعة من العالم بتعاليم دينيَّة معيّنة، وقبولها لمرجعيتها وتطبيقها لتلك التعاليم, يعني تشكيل حكومة دينيَّة، سواء كان هذا الدِّين من الأديان السماويَّة أم ديناً لا يستند إلى الوحي الإلهيّ، حسب ما نعتقده نحن المسلمين، وقد اصطبغ بصبغة الشِّرك والتَّحريف. كما ينبغي الالتفات إلى أنّه إن كان مرادنا من الدِّين هو الدِّين الإسلاميّ، فالحكومة الدِّينيَّة هي الحكومة الّتي تعيش هاجس التطابق والتكيُّف مع التعاليم الإسلاميَّة. والمراد من التعاليم الإسلاميَّة تلك المضامين الدِّينيَّة والفتاوى المستنبطة من المصادر الدِّينيَّة المعتبرة. وبناءً عليه، فلا فرق بين أن تكون تلك التعاليم الدِّينيَّة مستقاة من الوحي والرِّوايات المعتبره أو أن تكون مستندة إلى العقل والأدلَّة العقليَّة المعتبرة. طبعاً، لمّا كانت المتون الدِّينيَّة (الكتاب والسنَّة) هي أعظم مصدر لإدراك التَّعاليم الإسلاميَّة وأعمقه، فإنّ مراد أغلب الأفراد الّذين يبحثون في موضوع الحكومة الدِّينيَّة، ومدى تدخّل الإسلام في السِّياسة، مرادهم من الدِّين، التَّعاليم المستلهمة من القرآن والسنَّة.

    40

    الخلاصة


    1ـ هنالك عدَّة معانٍ لمصطلحي الحكومة والدَّولة بعضها مرادف لبعضها الآخر.

    2ـ للدَّولة، في الاصطلاح المعاصر، تعريف خاص تعدّ الحكومة جزءاً منه.

    3ـ يمكن تعريف الحكومة الدِّينيَّة بتعريفات كثيرة, أي يمكن عرض أُطروحات مختلفة لتركيب الدِّين والدَّولة.

    4ـ إن فسرنا الحكومة الدِّينيَّة بإقرار مرجعيَّة الدِّين في الحياة الاجتماعيَّة والسياسيَّة، فإنّ هذا التفسير يكون أكثر تناسباً مع ماهيَّة تركيب الدِّين والدَّولة.

    5ـ يتّصف التعريف الرابع، في هذا الدرس، بشموليَّة خاصّة، ويفيد أنّ المعيار الأصليّ لدينيَّة حكومة ما هو العمل على تطابق الشؤون السِّياسيَّة المختلفة للمجتمع مع التعاليم والمفاهيم الدِّينيَّة.

    6ـ تعريف الحكومة الدِّينيَّة، المتمثِّل بمرجعيَّة الدِّين في مختلف الشؤون السِّياسيَّة، تعريف عامّ لا يأخذ بنظر الاعتبار ديناً معيّناً.


    الأسئلة

    1ـ أذكر تعريف الدَّولة بمعناها الحديث.

    2ـ ما هو التَّعريف الّذي يرادف فيه معنى الدَّولة معنى الحكومة؟

    3ـ ما هو التعريف الّذي يرادف فيه معنى الحكومة الدِّينيَّة معنى حكومة المتدينين؟

    4ـ ما التعريف المقبول والجامع للحكومات الدِّينيَّة؟

    5ـ ما هي الخصائص الّتي تميّز التعريف الرابع للحكومة الدِّينيَّة من سائر التَّعريفات؟


    هوامش

    1- هذا هو الفارق الأساس عمّا تقدمه الحكومة الدينية بالمعنى الثاني ليس فقط حكومة فئة خاصة من المتدينين هم رجال الدين. بل كونهم يؤدون دور الوساطة بين الله والخلق في الحاكمية.

    2- حيث أن هناك فارقاً جوهرياً لا بد من بيانه وهو أن الحاكمية لنفس أحكام الدين أم للحاكم الديني.

  • #2
    كتاب حاكمية الفقيه وحدود ولايته على الأمة

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    x

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

    صورة التسجيل تحديث الصورة

    اقرأ في منتديات يا حسين

    تقليص

    لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

    يعمل...
    X